الخميس، 20 سبتمبر 2012

الجزء الثاني: غزوة بدر العظمى يوم الفرقان يوم التقى الجمعان

وقال ابن إسحاق: وحدثني حبان بن واسع بن حبان عن أشياخ من قومه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدل صفوف أصحابه يوم بدر، وفي يده قدح يعدل به القوم، فمرَّ بسواد بن غزية حليف بني عدي ابن النجار وهو مستنتل من الصف، فطعن في بطنه بالقدح وقال: ((استو يا سواد)).

فقال: يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل، فأقدني فكشف رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بطنه.

فقال: ((استقد)).

قال: فاعتنقه فقبل بطنه.

فقال: ((ما حملك على هذا يا سواد؟)).

قال: يا رسول الله، حضر ما ترى، فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمسَّ جلدي جلدك، فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم بخير وقاله.

قال ابن إسحاق: وحدثني عاصم بن عمر بن قتادة أن عوف بن الحارث - وهو ابن عفراء - قال: يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده؟

قال: ((غمسه يده في العدو حاسراً)).

فنزع درعاً كانت عليه فقذفها، ثم أخذ سيفه فقاتل حتى قتل رضي الله عنه.

قال ابن إسحاق: ثم عدل رسول الله صلى الله عليه وسلم الصفوف ورجع إلى العريش فدخله ومعه أبو بكر ليس معه فيه غيره.

وقال ابن إسحاق: وغيره وكان سعد بن معاذ رضي الله عنه واقفاً على باب العريش متقلداً بالسيف، ومعه رجال من الأنصار يحرسون رسول الله صلى الله عليه وسلم خوفاً عليه من أن يدهمه العدو من المشركين والجنائب النجائب، مهيأة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إن احتاج إليها ركبها ورجع إلى المدينة كما أشار به سعد بن معاذ.

وقد روى البزار في (مسنده) من حديث محمد بن عقيل عن علي أنه خطبهم.

فقال: يا أيها الناس من أشجع الناس؟

فقالوا: أنت يا أمير المؤمنين.

فقال: أما إني ما بارزني أحد إلا انتصفت منه، ولكن هو أبو بكر، إنا جعلنا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عريشاً فقلنا من يكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لئلا يهوي إليه أحد من المشركين، فوالله ما دنا أحد إلا أبو بكر شاهراً بالسيف على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يهوي إليه أحد إلا أهوى إليه فهذا أشجع الناس.

قال: ولقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذته قريش فهذا يحاده، وهذا يتلتله ويقولون: أنت جعلت الآلهة إلهاً واحداً، فوالله ما دنا منا أحد إلا أبو بكر يضرب ويجاهد ويتلتل هذا، وهو يقول: ويلكم أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله. (ج/ص: 3 /332)

ثم رفع علي بردة كانت عليه فبكى حتى أخضلت لحيته.

ثم قال: أنشدكم الله أمؤمن آل فرعون خير أم هو؟

فسكت القوم، فقال علي: فوالله لساعة من أبي بكر خير من ملء الأرض من مؤمن آل فرعون، ذاك رجل يكتم إيمانه وهذا رجل أعلن إيمانه.

ثم قال البزار: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه.

فهذه خصوصية للصديق حيث هو مع الرسول في العريش كما كان معه في الغار رضي الله عنه وأرضاه.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر الابتهال والتضرع والدعاء ويقول فيما يدعو به: ((اللهم إنك إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعدها في الأرض)) وجعل يهتف بربه عز وجل.

ويقول: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم نصرك)) ويرفع يديه إلى السماء حتى سقط الرداء عن منكبيه.

وجعل أبو بكر رضي الله عنه يلتزمه من ورائه ويسوي عليه رداءه ويقول مشفقاً عليه من كثرة الابتهال: يا رسول الله بعض مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك.

هكذا حكى السهيلي عن قاسم بن ثابت: أن الصديق إنما قال بعض مناشدتك ربك من باب الإشفاق لما رأى من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه فقال: بعض هذا يا رسول الله أي: لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر.

وكان رضي الله عنه رقيق القلب شديد الإشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحكى السهيلي عن شيخه أبي بكر بن العربي بأنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقام الخوف والصديق في مقام الرجاء وكان مقام الخوف في هذا الوقت - يعني: أكمل - قال: لأن لله أن يفعل ما يشاء فخاف أن لا يعبد في الأرض بعدها، فخوفه ذلك عبادة.

قلت: وأما قول بعض الصوفية إن هذا المقام في مقابلة ما كان يوم الغار فهو قول مردود على قائله إذ لم يتذكر هذا القائل عور ما قال، ولا لازمه ولا ما يترتب عليه والله أعلم.

هذا وقد تواجه الفئتان وتقابل الفريقان، وحضر الخصمان بين يدي الرحمن، واستغاث بربه سيد الأنبياء، وضج الصحابة بصنوف الدعاء إلى رب الأرض والسماء سامع الدعاء وكاشف البلاء، فكان أول من قتل من المشركين الأسود بن عبد الأسد المخزومي.

قال ابن إسحاق: وكان رجلاً شرساً سيء الخلق فقال: أعاهد الله لأشربن من حوضهم أو لأهدمنه أو لأموتن دونه.

فلما خرج خرج إليه حمزة بن عبد المطلب، فلما التقيا ضربه حمزة فاطن قدمه بنصف ساقه وهو دون الحوض فوقع على ظهره تشخب رجله دماً نحو أصحابه، ثم حبا إلى الحوض حتى اقتحم فيه يريد - زعم - أن تبر يمينه واتبعه حمزة فضربه حتى قتله في الحوض.

قال الأموي: فحمى عند ذلك عتبة بن ربيعة وأراد أن يظهر شجاعته، فبرز بين أخيه شيبة وابنه الوليد، فلما توسطوا بين الصفين دعوا إلى البراز فخرج إليهم فتية من الأنصار ثلاثة هم: عوف ومعاذ ابنا الحارث، وأمهما عفراء، والثالث عبد الله بن رواحة - فيما قيل -.

فقالوا: من أنتم؟

قالوا: رهط من الأنصار. (ج/ص: 3/333)

فقالوا: ما لنا بكم من حاجة.

وفي رواية فقالوا: أكفاء كرام ولكن أخرجوا إلينا من بني عمنا، ونادى مناديهم: يا محمد أخرج إلينا أكفاءنا من قومنا.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((قم يا عبيدة بن الحارث، وقم يا حمزة، وقم يا علي)).

وعند الأموي أن النفر من الأنصار لما خرجوا كره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنه أول موقف واجه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم أعداءه فأحب أن يكون أولئك من عشيرته فأمرهم بالرجوع وأمر أولئك الثلاثة بالخروج.

قال ابن إسحاق: فلما دنوا منهم.

قالوا: من أنتم؟ - وفي هذا دليل أنهم كانوا ملبسين لا يعرفون من السلاح -.

فقال عبيدة: عبيدة.

وقال حمزة: حمزة.

وقال علي: علي.

قالوا: نعم !! أكفاء كرام.

فبارز عبيدة وكان أسن القوم، عتبة، وبارز حمزة شيبة، وبارز علي الوليد بن عتبة.

فأما حمزة فلم يمهل شيبة أن قتله، وأما علي فلم يمهل الوليد أن قتله، واختلف عبيدة وعتبة بينهما بضربتين كلاهما أثبت صاحبه، وكرَّ حمزة وعلي بأسيافهما على عتبة فذففا عليه، واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابهما رضي الله عنه.

وقد ثبت في (الصحيحين): من حديث أبي مجلز، عن قيس بن عباد، عن أبي ذر: أنه كان يقسم قسماً أن هذه الآية: {هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نزلت في حمزة وصاحبه، وعتبة وصاحبه يوم برزوا في بدر.

هذا لفظ البخاري في تفسيرها.

وقال البخاري: حدثنا حجاج بن منهال حدثنا المعتمر بن سليمان سمعت أبي، ثنا أبو مجلز، عن قيس بن عباد، عن علي بن أبي طالب.

أنه قال: أنا أول من يجثو بين يدي الرحمن عز وجل في الخصومة يوم القيامة.

قال قيس: وفيهم نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} قال هم الذين بارزوا يوم بدر علي، وحمزة، وعبيدة، وشيبة بن ربيعة، وعتبة بن ربيعة، والوليد بن عتبة، تفرد به البخاري.

وقد أوسعنا الكلام عليها في التفسير بما فيه كفاية ولله الحمد والمنة.

وقال الأموي: حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق، عن ابن المبارك، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن عبد الله البهي.

قال: برز عتبة، وشيبة، والوليد، وبرز إليهم حمزة، وعبيدة، وعلي.

فقالوا: تكلموا نعرفكم.

فقال حمزة: أنا أسد الله وأسد رسول الله أنا حمزة بن عبد المطلب.

فقال: كفؤ كريم. (ج/ص: 3/334)

وقال علي: أنا عبد الله وأخو رسول الله.

وقال عبيدة: أنا الذي في الحلفاء.

فقام كل رجل إلى رجل فقاتلوهم فقتلهم الله.

فقالت هند في ذلك:

أعيني جودي بدمع سرب * على خير خندف لم ينقلب

تداعى له رهطه غدوة * بنو هاشم وبنو المطلب

يذيقونه حد أسيافهم * يعلونه بعد ما قد عطب

ولهذا نذرت هند أن تأكل من كبد حمزة.

قلت: وعبيدة هذا هو ابن الحارث بن المطلب بن عبد مناف، ولما جاؤا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أضجعوه إلى جانب موقف رسول الله صلى الله عليه وسلم فأشرفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قدمه، فوضع خده على قدمه الشريفة وقال يا رسول الله: لو رآني أبو طالب لعلم أني أحق بقوله:

ونسلمه حتى نصرع دونه * ونذهل عن أبنائنا والحلائل

ثم مات رضي الله عنه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أشهد أنك شهيد)) رواه الشافعي رحمه الله.

وكان أول قتيل من المسلمين في المعركة: مهجع مولى عمر بن الخطاب رمي بسهم فقتله.

قال ابن إسحاق: فكان أول من قتل، ثم رمي بعده حارثة بن سراقة أحد بني عدي بن النجار وهو يشرب من الحوض بسهم فأصاب نحره فمات. (ج/ص: 3/335)

وثبت في (الصحيحين) عن أنس أن حارثة بن سراقة قتل يوم بدر وكان في النظارة أصابه سهم غرب فقتله، فجاءت أمه فقالت يا رسول الله: أخبرني عن حارثة فإن كان في الجنة صبرت وإلا فليرين الله ما أصنع - يعني: من النياح - وكانت لم تحرم بعد.

فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ويحك أهبلت، إنها جنان ثمان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى)).

قال ابن إسحاق: ثم تزاحف الناس ودنا بعضهم من بعض.

وقال: أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن لا يحملوا حتى يأمرهم.

وقال: ((إن اكتنفكم القوم فانضحوهم عنكم بالنبل)).

وفي (صحيح البخاري) عن أبي أسيد.

قال: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر: ((إذا أكثبوكم - يعني: المشركين - فارموهم واستبقوا نبلكم)).

وقال البيهقي، أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصم، حدثنا أحمد بن عبد الجبار، عن يونس بن بكير، عن أبي إسحاق، حدثني عبد الله بن الزبير.

قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شعار المهاجرين يوم بدر: يا بني عبد الرحمن، وشعار الخزرج: يا بني عبد الله، وشعار الأوس: يا بني عبيد الله، وسمى خيله: خيل الله.

وقال ابن هشام: وكان شعار الصحابة يوم بدر: أحد أحد.

قال ابن إسحاق: ورسول الله صلى الله عليه وسلم في العريش معه أبو بكر رضي الله عنه - يعني: وهو يستغيث الله عز وجل - كما قال تعالى: {إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [الأنفال: 9-10].

قال الإمام أحمد: حدثنا أبو نوح قراد، ثنا عكرمة بن عمار، ثنا سماك الحنفي أبو زميل، حدثني ابن عباس، حدثني عمر بن الخطاب.

قال: لما كان يوم بدر نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أصحابه وهم ثلاثمائة ونيف، ونظر إلى المشركين فإذا هم ألف وزيادة، فاستقبل النبي صلى الله عليه وسلم القبلة وعليه رداؤه وإزاره ثم قال: ((اللهم أنجز لي ما وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلا تعبد بعد في الأرض أبداً)).

فما زال يستغيث بربه ويدعوه حتى سقط رداؤه.

فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فرده، ثم التزمه من ورائه ثم قال يا رسول الله: كفاك مناشدتك ربك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله: {إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم أني ممدكم بألف من الملائكة مردفين} وذكر تمام الحديث كما سيأتي. (ج/ص: 3/336)

وقد رواه مسلم وأبو داود والترمذي وابن جرير وغيرهم من حديث عكرمة بن عمار اليماني وصححه علي ابن المديني والترمذي، وهكذا قال غير واحد عن ابن عباس والسدي وابن جرير وغيرهم أن هذه الآية نزلت في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر، وقد ذكر الأموي وغيره أن المسلمين عجوا إلى الله عز وجل في الاستغاثة بجنابه والاستعانة به وقوله تعالى: {بألف من الملائكة مردفين} أي: ردفاً لكم ومدداً لفئتكم رواه العوفي عن ابن عباس.

وقاله مجاهد وابن كثير، وعبد الرحمن ابن زيد وغيرهم.

وقال أبو كدينة، عن قابوس، عن ابن عباس: {مردفين} وراء كل ملك ملك.

وفي رواية عنه بهذا الإسناد: {مردفين} بعضهم على أثر بعض وكذا قال أبو ظبيان والضحاك وقتادة.

وقد روى علي بن أبي طلحة الوالبي، عن ابن عباس قال: وأمد الله نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة، وكان جبريل في خمسمائة مجنبة، وميكائيل في خمسمائة مجنبة، وهذا هو المشهور.

ولكن قال ابن جرير: حدثني المثنى، حدثنا إسحاق، ثنا يعقوب بن محمد الزهري، حدثني عبد العزيز بن عمران، عن الربعي، عن أبي الحويرث، عن محمد بن جبير، عن علي.

قال: نزل جبريل في ألف من الملائكة على ميمنة النبي صلى الله عليه وسلم وفيهما أبو بكر، ونزل ميكائيل في ألف من الملائكة على ميسرة النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في الميسرة.

ورواه البيهقي في (الدلائل) من حديث محمد بن جبير عن علي فزاد: ونزل إسرافيل في ألف من الملائكة، وذكر أنه طعن يومئذٍ بالحربة حتى أختضبت إبطه من الدماء، فذكر أنه نزلت ثلاثة آلاف من الملائكة، وهذا غريب وفي إسناده ضعف ولو صح لكان فيه تقوية لما تقدم من الأقوال ويؤيدها قراءة من قرأ: {بألف من الملائكة مردفين} بفتح الدال والله أعلم.

وقال البيهقي: أخبرنا الحاكم، أخبرنا الأصم، ثنا محمد بن سنان القزاز، ثنا عبيد الله بن عبد المجيد أبو علي الحنفي، حدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب، أخبرني إسماعيل بن عوف بن عبد الله بن أبي رافع، عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن جده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال: لما كان يوم بدر قاتلت شيئاً من قتال، ثم جئت مسرعاً لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فعل.

قال: فجئت فإذا هو ساجد يقول: ((يا حي يا قيوم، يا حي يا قيوم)).

لا يزيد عليها فرجعت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً، فذهبت إلى القتال، ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك أيضاً، حتى فتح الله على يده.

وقد رواه النسائي في (اليوم والليلة) عن بندار، عن عبيد الله بن عبد المجيد أبي علي الحنفي.

وقال الأعمش: عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله ابن مسعود.

قال: ما سمعت مناشداً ينشد حقاً له أشد من مناشدة محمد صلى الله عليه وسلم يوم بدر.

(ج/ص: 3/337)

جعل يقول: ((اللهم إني أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد))، ثم التفت وكأن شق وجهه القمر.

وقال: ((كأني أنظر إلى مصارع القوم عشية)).

رواه النسائي من حديث الأعمش به.

وقال: لما التقينا يوم بدر قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت مناشداً ينشد حقاً له أشد مناشدة من رسول الله صلى الله عليه وسلم وذكره.

وقد ثبت إخباره عليه السلام بمواضع مصارع رؤس المشركين يوم بدر في (صحيح مسلم) عن أنس بن مالك كما تقدم، وسيأتي في (صحيح مسلم) أيضاً عن عمر بن الخطاب.

ومقتضى حديث ابن مسعود أنه أخبر بذلك يوم الوقعة وهو مناسب، وفي الحديثين الآخرين عن أنس وعمر ما يدل على أنه أخبر بذلك قبل ذلك بيوم ولا مانع من الجمع بين ذلك بأن يخبر به قبل بيوم وأكثر، وأن يخبر به قبل ذلك بساعة يوم الوقعة والله أعلم.

وقد روى البخاري: من طرق عن خالد الحذاء، عن عكرمة، عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال وهو في قبة له يوم بدر: ((اللهم أنشدك عهدك ووعدك، اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً)).

فأخذ أبو بكر بيده وقال: حسبك يا رسول الله ألححت على ربك فخرج وهو يثب في الدرع وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 45-46] وهذه الآية مكية.

وقد جاء تصديقها يوم بدر كما رواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، ثنا أبو الربيع الزهراني، ثنا حماد، عن أيوب، عن عكرمة.

قال: لما نزلت {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}.

قال عمر: أي جمع يهزم وأي جمع يغلب ؟

قال عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع وهو يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ * بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} فعرفت تأويلها يومئذٍ.

وروى البخاري من طريق ابن جريج، عن يوسف بن ماهان سمع عائشة تقول: نزل على محمد بمكة - وإني لجارية ألعب -: {بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر}.

قال ابن إسحاق: وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يناشد ربه ما وعده من النصر ويقول فيما يقول: ((اللهم إن تهلك هذه العصابة اليوم لا تعبد)).

وأبو بكر يقول: يا نبي الله بعض مناشدتك ربك فإن الله منجز لك ما وعدك، وقد خفق النبي صلى الله عليه وسلم خفقةً وهو في العريش، ثم انتبه فقال: ((أبشر يا أبا بكر، أتاك نصر الله، هذا جبريل آخذ بعنان فرسه يقوده، على ثناياه النقع)) يعني: الغبار.

قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الناس فحرضهم.

وقال: ((والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، إلا أدخله الله الجنة)).

قال عمير بن الحمام أخو بني سلمة وفي يده تمرات يأكلهن: بخٍ بخٍ أفما بيني وبين أن أدخل الجنة إلا أن يقتلني هؤلاء ؟(ج/ص: 3/338)

قال: ثم قذف التمرات من يده وأخذ سيفه فقاتل القوم حتى قتل رحمه الله.

وقال الإمام أحمد: حدثنا هاشم بن سليمان، عن ثابت، عن أنس.

قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبساً عيناً ينظر ما صنعت عير أبي سفيان، فجاء وما في البيت أحد غيري وغير النبي صلى الله عليه وسلم.

قال: لا أدري ما استثني من بعض نسائه.

قال: فحدثه الحديث.

قال: فخرج رسول الله فتكلم.

فقال: ((إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضر فليركب معنا)) فجعل رجال يستأذنونه في ظهورهم في علو المدينة.

قال: ((لا إلا من كان ظهره حاضراً)).

وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى سبقوا المشركين إلى بدر، وجاء المشركون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يتقدمن أحد منكم إلى شيء حتى أكون أنا دونه))، فدنا المشركون.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قوموا إلى جنة عرضها السموات والأرض)).

قال: يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض؟

قال: ((نعم !)).

قال: بخٍ بخٍ ؟

فقال رسول الله: ((ما يحملك على قول بخٍ بخٍ؟)).

قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاء أن أكون من أهلها.

قال: ((فإنك من أهلها)).

قال: فأخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن.

ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها حياة طويلة.

قال: فرمى ما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل رحمه الله.

ورواه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وجماعة عن أبي النضر هاشم بن القاسم، عن سليمان بن المغيرة به، وقد ذكر ابن جرير أن عميراً قاتل وهو يقول رضي الله عنه:

ركضاً إلى الله بغير زاد * إلا التقى وعمل المعاد

والصبر في الله على الجهاد * وكل زاد عرضة النفاد

غير التقى والبر والرشاد

وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي.

قال: لما قدمنا المدينة أصبنا من ثمارها فاجتويناها وأصابنا بها وعك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحيز عن بدر. (ج/ص: 3/339)

فلما بلغنا أن المشركين قد أقبلوا سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بدر - وبدر بئر - فسبقنا المشركين إليها فوجدنا فيها رجلين: رجلاً من قريش، ومولى لعقبة بن أبي معيط فأما القرشي فانفلت، وأما المولى فوجدناه فجعلنا نقول له كم القوم؟

فيقول: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم.

فجعل المسلمون إذا قال ذلك ضربوه حتى انتهوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال له: ((كم القوم؟)).

قال: هم والله كثير عددهم شديد بأسهم.

فجهد النبي صلى الله عليه وسلم أن يخبره كم هم فأبى ثم أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله ((كم ينحرون من الجزر؟)).

فقال: عشراً كل يوم.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((القوم ألف، كل جزور لمائة وتبعها)).

ثم إنه أصابنا من الليل طش من مطر فانطلقنا تحت الشجر والحجف نستظل تحتها من المطر، وبات رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو ربه ويقول: ((اللهم إنك إن تهلك هذه الفئة لا تعبد)).

فلما طلع الفجر نادى الصلاة عباد الله، فجاء الناس من تحت الشجر والحجف فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرَّض على القتال.

ثم قال: ((إن جمع قريش تحت هذه الضلع الحمراء من الجبل)).

فلما دنا القوم منا وصاففناهم إذا رجل منهم على جمل له أحمر يسير في القوم.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يا علي ناد حمزة)).

وكان أقربهم من المشركين من صاحب الجمل الأحمر فجاء حمزة، فقال: هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم أعصبوها برأسي وقولوا جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم.

فسمع بذلك أبو جهل فقال: أنت تقول ذلك والله لو غيرك يقوله لأعضضته قد ملأت رئتك جوفك رعباً.

فقال: إياي تعير يا مصفر استه سيعلم اليوم أينا الجبان فبرز عتبة وأخوه شيبة وابنه الوليد حمية.

فقالوا: من يبارز؟

فخرج فتية من الأنصار مشببة.

فقال عتبة: لا نريد هؤلاء، ولكن نبارز من بني عمنا من بني عبد المطلب.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((قم يا حمزة، وقم يا علي، وقم يا عبيدة بن الحارث بن المطلب)).

فقتل الله عتبة وشيبة ابني ربيعة والوليد بن عتبة، وجرح عبيدة فقتلنا منهم سبعين وأسرنا سبعين، وجاء رجل من الأنصار بالعباس بن عبد المطلب أسيراً.

فقال العباس: يا رسول الله والله إن هذا ما أسرني لقد أسرني رجل أجلح من أحسن الناس وجهاً على فرس أبلق ما أراه في القوم.

فقال الأنصاري: أنا أسرته يا رسول الله.

فقال: ((اسكت، فقد أيدك الله بملك كريم)).

قال: فأسرنا من بني عبد المطلب العباس وعقيلاً ونوفل بن الحارث، هذا سياق حسن وفيه شواهد لما تقدم ولما سيأتي. (ج/ص: 3/340)

وقد تفرد بطوله الإمام أحمد

وروى أبو داود بعضه من حديث إسرائيل به.

ولما نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش وحرَّض الناس على القتال والناس على مصافهم صابرين ذاكرين الله كثيراً كما قال الله تعالى آمراً لهم: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً} الآية [الأنفال: 45].

وقال الأموي: حدثنا معاوية بن عمرو، عن أبي إسحاق.

قال: قال الأوزاعي: كان يقال: قلما ثبت قوم قياماً، فمن استطاع عند ذلك أن يجلس أو يغض طرفه ويذكر الله رجوت أن يسلم من الرياء.

وقال عتبة بن ربيعة يوم بدر لأصحابه: ألا ترونهم - يعني أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم - جثياً على الركب كأنهم حرس يتلمظون كما تتلمظ الحيات - أو قال: الأفاعي -.

قال الأموي في (مغازيه): وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حين حرَّض المسلمين على القتال قد نفل كل امرئ ما أصاب.

وقال: ((والذي نفسي بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة)).

وذكر قصة عمير بن الحمام كما تقدم، وقد قاتل بنفسه الكريمة قتالاً شديداً ببدنه، وكذلك أبو بكر الصديق كما كانا في العريش يجاهدان بالدعاء والتضرع، ثم نزلا فحرضا وحثا على القتال وقاتلا بالأبدان جمعاً بين المقامين الشريفين.

قال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، حدثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، عن علي.

قال: لقد رأيتنا يوم بدر ونحن نلوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أقربنا من العدو، وكان من أشد الناس يومئذٍ بأساً.

ورواه النسائي من حديث أبي إسحاق، عن حارثة، عن علي.

قال: كنا إذا حمي البأس ولقي القوم اتقينا برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نعيم، حدثنا مسعر، عن أبي عون، عن أبي صالح الحنفي، عن علي.

قال: قيل لعلي ولأبي بكر رضي الله عنهما يوم بدر: مع أحدكما جبريل ومع الآخر ميكائيل، وإسرافيل ملك عظيم يشهد القتال ولا يقاتل - أو يشهد الصف - وهذا يشبه ما تقدم من الحديث أن أبا بكر كان في الميمنة ولما تنزل الملائكة يوم بدر تنزيلاً كان جبريل على أحد المجنبتين في خمسمائة من الملائكة، فكان في الميمنة من ناحية أبي بكر الصديق، وكان ميكائيل على المجنبة الأخرى في خمسمائة من الملائكة فوقفوا في الميسرة وكان علي بن أبي طالب فيها.

وفي حديث رواه أبو يعلى من طريق محمد بن جبير بن مطعم، عن علي. (ج/ص: 3/341)

قال: كنت أسبح على القليب يوم بدر فجاءت ريح شديدة، ثم أخرى ثم أخرى، فنزل ميكائيل في ألف من الملائكة فوقف على يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم وهناك أبو بكر، وإسرافيل في ألف في الميسرة وأنا فيها، وجبريل في ألف.

قال: ولقد طفت يومئذٍ حتى بلغ إبطي.

وقد ذكر صاحب العقد وغيره أن أفخر بيت قالته العرب قول حسان بن ثابت:

وببئر بدر إذ يكف مطيهم * جبريل تحت لوائنا ومحمد

وقد قال البخاري: حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثنا جرير، عن يحيى ابن سعيد، عن معاذ بن رفاعة ابن رافع الزرقي، عن أبيه - وكان أبوه من أهل بدر -.

قال: جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ما تعدون أهل بدر فيكم؟

قال: ((من أفضل المسلمين - أو كلمة نحوها -)).

قال: وكذلك من شهد بدراً من الملائكة.

انفرد به البخاري.

وقد قال الله تعالى: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ} - يعني: الرؤس - {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال: 12].

وفي (صحيح مسلم) من طريق عكرمة بن عمار، عن أبي زميل، حدثني ابن عباس.

قال: بينما رجل من المسلمين يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه وصوت الفارس يقول: أقدم حيزوم إذ نظر إلى المشرك أمامه قد خرَّ مستلقياً، فنظر إليه فإذا هو حطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط واخضر ذلك أجمع فجاء الأنصاري فحدث ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: ((صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة)) فقتلوا يومئذٍ سبعين، وأسروا سبعين.

قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم، عمن حدثه، عن ابن عباس، عن رجل من بني غفار.

قال: حضرت أنا وابن عم لي بدراً ونحن على شركنا، وإنا لفي جبل ننتظر الوقعة على من تكون الدائرة، فأقبلت سحابة، فلما دنت من الجبل سمعنا منها حمحمة الخيل، وسمعنا قائلاً يقول: أقدم حيزوم، فأما صاحبي فانكشف قناع قلبه فمات مكانه، وأما أنا لكدت أن أهلك ثم انتعشت بعد ذلك. (ج/ص: 3 /342)

وقال ابن إسحاق: وحدثني عبد الله بن أبي بكر عن بعض بني ساعدة، عن أبي أسيد مالك بن ربيعة - وكان شهد بدراً - قال: - بعد أن ذهب بصره - لو كنت اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك فيه ولا أتمارى.

فلما نزلت الملائكة ورآها إبليس وأوحى الله إليهم: {أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا}، وتثبتهم أن الملائكة كانت تأتي الرجل في صورة الرجل يعرفه فيقول له: أبشروا فإنهم ليسوا بشيء والله معكم كروا عليهم.

وقال الواقدي: حدثني ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال: كان الملك يتصور في صورة من يعرفون من الناس يثبتونهم فيقول: إني قد دنوت منهم، وسمعتهم يقولون: لو حملوا علينا ما ثبتنا، ليسوا بشيء، إلى غير ذلك من القول فذلك قوله: {إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا} الآية [الأنفال: 12].

ولما رأى إبليس الملائكة نكص على عقبيه وقال: إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون وهو في صورة سراقة.

وأقبل أبو جهل يحرِّض أصحابه ويقول: لا يهولنكم خذلان سراقة إياكم، فإنه كان على موعد من محمد وأصحابه ثم قال: واللات والعزى لا نرجع حتى نفرق محمداً وأصحابه في الجبال، فلا تقتلوهم وخذوهم أخذاً.

وروى البيهقي من طريق سلامة، عن عقيل، عن ابن شهاب، عن أبي حازم، عن سهل بن سعد قال:

قال أبو أسيد - بعد ما ذهب بصره -: يا ابن أخي والله لو كنت أنا وأنت ببدر ثم أطلق الله بصري لأريتك الشعب الذي خرجت علينا منه الملائكة من غير شك ولا تمار.

وروى البخاري عن إبراهيم بن موسى، عن عبد الوهاب، عن خالد، عن عكرمة، عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر: ((هذا جبريل آخذ برأس فرسه وعليه أداة الحرب)).

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي حبيبة، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس، وأخبرني موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه.

وحدثني عابد بن يحيى، عن أبي الحويرث، عن عمارة بن أكيمة الليثي، عن عكرمة، عن حكيم بن حزام قالوا: لما حضر القتال ورسول الله صلى الله عليه وسلم رافع يديه يسأل الله النصر وما وعده يقول: ((اللهم إن ظهروا على هذه العصابة ظهر الشرك ولا يقوم لك دين)). (ج/ص: 3/343)

وأبو بكر يقول: والله لينصرنك الله وليبيضن وجهك، فأنزل الله ألفاً من الملائكة مردفين عند اكتناف العدو.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامة صفراء آخذ بعنان فرسه بين السماء والأرض))، فلما نزل إلى الأرض تغيَّب عني ساعة، ثم طلع وعلى ثناياه النقع يقول: أتاك نصر الله إذ دعوته.

وروى البيهقي عن أبي أمامة بن سهل، عن أبيه.

قال: يا بني لقد رأيتنا يوم بدر وأن أحدنا ليشير إلى رأس المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف.

وقال ابن إسحاق: حدثني والدي، حدثني رجال من بني مازن، عن أبي واقد الليثي قال: إني لأتبع رجلاً من المشركين لأضربه فوقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أن غيري قد قتله.

وقال يونس بن بكير، عن عيسى بن عبد الله التيمي، عن الربيع بن أنس قال: كان الناس يوم بدر يعرفون قتلى الملائكة ممن قتلوهم بضرب فوق الأعناق وعلى البنان مثل سمة النار وقد أحرق به.

وقال ابن إسحاق: حدثني من لا أتهم عن مقسم، عن ابن عباس.

قال: كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم إلا جبريل فإنه كانت عليه عمامة صفراء.

وقد قال ابن عباس: لم تقاتل الملائكة في يوم سوى يوم بدر من الأيام، وكانوا يكونون فيما سواه من الأيام عدداً ومدداً لا يضربون.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن موسى بن عبد الله بن أبي أمية، عن مصعب بن عبد الله، عن مولى لسهيل بن عمرو سمعت سهيل بن عمرو يقول: لقد رأيت يوم بدر رجالاً بيضاً على خيل بلق بين السماء والأرض معلمين يقتلون ويأسرون.

وكان أبو أسيد يحدث بعد أن ذهب بصره.

قال: لو كنت معكم الآن ببدر ومعي بصري، لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أمتري.

قال: وحدثني خارجة بن إبراهيم، عن أبيه.

قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل: ((من القائل يوم بدر من الملائكة أقدم حيزوم؟)).

فقال جبريل: يا محمد ما كل أهل السماء أعرف.

قلت: وهذا الأثر مرسل، وهو يرد قول من زعم أن حيزوم اسم فرس جبريل كما قاله السهيلي وغيره والله أعلم. (ج/ص: 3/344)

وقال الواقدي: حدثني إسحاق بن يحيى، عن حمزة بن صهيب، عن أبيه قال: فما أدري كم يد مقطوعة وضربة جائفة لم يدم كلمها وقد رأيتها يوم بدر.

وحدثني محمد بن يحيى، عن أبي عقيل، عن رافع بن خديج، عن أبي بردة بن نيار قال: جئت يوم بدر بثلاثة رؤس فوضعتهن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أما رأسان فقتلتهما، وأما الثالث فإني رأيت رجلاً طويلاً ضربه فتدهدى أمامه فأخذت رأسه.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذاك فلان من الملائكة)).

وحدثني موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه.

قال: كان السائب بن أبي حبيش يحدث في زمن عمر يقول: والله ما أسرني أحد من الناس.

فيقال: فمن ؟

يقول: لما انهزمت قريش انهزمت معها فأدركني رجل أشعر طويل على فرس أبيض فأوثقني رباطاً وجاء عبد الرحمن بن عوف فوجدني مربوطاً فنادى في العسكر من أسر هذا؟ حتى انتهى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فقال: ((من أسرك؟)).

قلت: لا أعرفه وكرهت أن أخبره بالذي رأيت.

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أسرك ملك من الملائكة، اذهب يا ابن عوف بأسيرك)).

وقال الواقدي: حدثني عابد بن يحيى، حدثنا أبو الحويرث، عن عمارة بن أكيمة، عن حكيم بن حزام.

قال: لقد رأيتنا يوم بدر وقد وقع بجاد من السماء قد سدَّ الأفق فإذا الوادي يسيل نهلاً فوقع في نفسي أن هذا شيء من السماء أيد به محمد، فما كانت إلا الهزيمة ولقي الملائكة.

وقال إسحاق بن راهويه: حدثنا وهب بن جرير بن حازم، حدثني أبي، عن محمد بن إسحاق، حدثني أبي، عن جبير بن مطعم.

قال: رأيت قبل هزيمة القوم - والناس يقتتلون - مثل البجاد الأسود قد نزل من السماء مثل النمل الأسود، فلم أشك أنها الملائكة، فلم يكن إلا هزيمة القوم، ولما تنزلت الملائكة للنصر ورآهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أغفى إغفاءة، ثم استيقظ وبشَّر بذلك أبا بكر وقال: ((أبشر يا أبا بكر هذا جبريل يقود فرسه على ثناياه النقع)) يعني: من المعركة.

ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من العريش في الدرع فجعل يحرض على القتال ويبشر الناس بالجنة ويشجعهم بنزول الملائكة والناس بعد على مصافهم لم يحملوا على عدوهم حصل لهم السكينة والطمأنينة، وقد حصل النعاس الذي هو دليل على الطمأنينة والثبات والإيمان، كما قال: {إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ} [الأنفال: 11].

وهذا كما حصل لهم بعد ذلك يوم أحد بنص القرآن، ولهذا قال ابن مسعود: النعاس في المصاف من الإيمان، والنعاس في الصلاة من النفاق.

وقال الله تعالى: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ وَإِنْ تَنْتَهُوا فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَإِنْ تَعُودُوا نَعُدْ وَلَنْ تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ وَأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} [الأنفال: 19].(ج/ص: 3/345)

قال الإمام أحمد: حدثنا يزيد بن هارون، ثنا محمد بن إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة أن أبا جهل قال - حين التقى القوم -: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة.

فكان هو المستفتح وكذا ذكره ابن إسحاق في السيرة ورواه النسائي من طريق صالح بن كيسان، عن الزهري، ورواه الحاكم من حديث الزهري أيضاً، ثم قال صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه.

وقال الأموي: حدثنا أسباط بن محمد القرشي، عن عطية، عن مطرف في قوله: {إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جَاءكُمُ}.

قال: قال أبو جهل: اللهم أعن أعز الفئتين، وأكرم القبيلتين، وأكثر الفريقين.

فنزلت: {إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح}.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ} [الأنفال: 7].

قال: أقبلت عير أهل مكة تريد الشام فبلغ ذلك أهل المدينة فخرجوا ومعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون العير، فبلغ ذلك أهل مكة فأسرعوا إليها لكيلا يغلب عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فسبقت العير رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان الله قد وعدهم إحدى الطائفتين، وكانوا يحبون أن يلقوا العير، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمسلمين يريد القوم، وكره القوم مسيرهم لشوكة القوم.

فنزل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون، وبينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمون ضعف شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوسهم تزعمون أنكم أولياء الله وفيكم رسوله، وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم كذا ! فأمطر الله عليهم مطراً شديداً فشرب المسلمون وتطهروا فأذهب الله عنهم رجز الشيطان، فصار الرمل لبداً ومشى الناس عليه والدواب، فساروا إلى القوم وأيد الله نبيه والمؤمنين بألف من الملائكة. (ج/ص: 3/346)

فكان جبريل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وميكائيل في خمسمائة من الملائكة مجنبة وجاء إبليس في جند الشياطين ومعه ذريته وهم في صورة رجال من بني مدلج والشيطان في صورة سراقة بن مالك بن جعشم، وقال الشيطان للمشركين: لا غالب لكم اليوم من الناس، وإني جار لكم.

فلما اصطف الناس قال أبو جهل: اللهم أولانا بالحق فانصره.

ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال: ((يا رب إن تهلك هذه العصابة فلن تعبد في الأرض أبداً)).

فقال له جبريل: خذ قبضة من التراب، فأخذ قبضة من التراب فرمى بها وجوههم، فما المشركين من أحد إلا وأصاب عينيه ومنخريه وفمه تراب من تلك القبضة، فولوا مدبرين.

وأقبل جبريل إلى إبليس فلما رآه - وكانت يده في يد رجل من المشركين - انتزع إبليس يده ثم ولى مدبراً وشيعته.

فقال الرجل: يا سراقة أما زعمت أنك لنا جار؟

قال: {إِنِّي أَرَى مَا لَا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ} [الأنفال: 48] وذلك حين رأى الملائكة رواه البيهقي في (الدلائل).

وقال الطبراني حدثنا مسعدة بن سعد العطار، ثنا إبراهيم بن المنذر الحزامي، ثنا عبد العزيز بن عمران، ثنا هشام بن سعد، عن عبد ربه ابن سعيد بن قيس الأنصاري، عن رفاعة بن رافع.

قال: لما رأى إبليس ما فعل الملائكة بالمشركين يوم بدر أشفق أن يخلص إليه، فتشبث به الحارث بن هشام وهو يظن أنه سراقة بن مالك، فوكز في صدر الحارث ثم خرج هارباً حتى ألقى نفسه في البحر ورفع يديه فقال: اللهم إني أسألك نظرتك إياي وخاف أن يخلص القتل إليه.

وأقبل أبو جهل فقال: يا معشر الناس لا يهولنكم خذلان سراقة بن مالك فإنه كان على ميعاد من محمد، ولا يهولنكم قتل شيبة وعتبة والوليد فإنهم قد عجلوا، فواللات والعزى لا نرجع حتى نفرقهم بالجبال، فلا ألفين رجلاً منكم قتل رجل ولكن خذوهم أخذاً حتى تعرفوهم سوء صنيعهم من مفارقتهم إياكم ورغبتهم عن اللات والعزى.

ثم قال أبو جهل متمثلاً:

ما تنقم الحرب الشموس مني * بازل عامين حديث سني

لمثل هذا ولدتني أمي

وروى الواقدي عن موسى بن يعقوب الزمعي، عن عمه، عن أبي بكر بن أبي سليمان، عن أبي حتمة سمعت مروان بن الحكم يسأل حكيم بن حزام عن يوم بدر فجعل الشيخ يكره ذلك، فألح عليه فقال حكيم: التقينا فاقتتلنا فسمعت صوتاً وقع من السماء إلى الأرض مثل وقعة الحصاة في الطست، وقبض النبي صلى الله عليه وسلم القبضة التراب فرمى بها فانهزمنا. (ج/ص: 3/347)

قال الواقدي: وحدثنا أبو إسحاق بن محمد بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، سمعت نوفل بن معاوية الديلي يقول: انهزمنا يوم بدر ونحن نسمع صوتاً كوقع الحصى في الطاس في أفئدتنا ومن خلفنا، وكان ذلك من أشد الرعب علينا.

وقال الأموي: حدثنا أبي، ثنا ابن أبي إسحاق، حدثني الزهري، عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير، أن أبا جهل حين التقى القوم قال: اللهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرف فأحنه الغداة، فكان هو المستفتح.

فبينما هم على تلك الحال وقد شجع الله المسلمين على لقاء عدوهم وقللهم في أعينهم حتى طمعوا فيهم، خفق رسول الله صلى الله عليه وسلم خفقة في العريش، ثم انتبه فقال: ((أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجر بعمامته آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع أتاك نصر الله وعدته)).

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ كفاً من الحصى بيده ثم خرج فاستقبل القوم.

فقال: ((شاهت الوجوه)).

ثم نفحهم بها ثم قال لأصحابه: ((احملوا فلم تكن إلا الهزيمة)) فقتل الله من قتل من صناديدهم، وأسر من أسر منهم.

وقال زياد عن ابن إسحاق ثم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ حفنة من الحصباء فاستقبل بها قريشاً، ثم قال: ((شاهت الوجوه))، ثم نفحهم بها وأمر أصحابه فقال: ((شدوا)).

فكانت الهزيمة، فقتل الله من قتل من صناديد قريش، وأسر من أسر من أشرافهم.

وقال السدي الكبير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي يوم بدر: ((أعطني حصباء من الأرض)) فناوله حصباء عليها تراب فرمى به وجوه القوم فلم يبق مشرك إلا دخل في عينيه من ذلك التراب شيء، ثم ردفهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم وأنزل الله في ذلك: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى} [الأنفال: 17].

وهكذا قال عروة، وعكرمة، ومجاهد، ومحمد بن كعب، ومحمد بن قيس، وقتادة، وابن زيد، وغيرهم أن هذه الآية نزلت في ذلك يوم بدر، وقد فعل عليه السلام مثل ذلك في غزوة حنين كما سيأتي في موضعه إذا انتهينا إليه إن شاء الله وبه الثقة.

وذكر ابن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حرض أصحابه على القتال ورمى المشركين بما رماهم به من التراب وهزمهم الله تعالى صعد إلى العريش أيضاً ومعه أبو بكر، ووقف سعد بن معاذ ومن معه من الأنصار على باب العريش ومعهم السيوف خيفة أن تكر راجعة من المشركين إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

قال ابن إسحاق: ولما وضع القوم أيديهم يأسرون رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - في وجه سعد بن معاذ الكراهية لما يصنع الناس.

فقال له: ((كأني بك يا سعد تكره ما يصنع القوم ؟)).

قال: أجل والله يا رسول الله كانت أول وقعة أوقعها الله بأهل الشرك. (ج/ص: 3/348)

فكان الإثخان في القتل أحب إلي من استبقاء الرجال.

قال ابن إسحاق: وحدثني العباس بن عبد الله بن معبد، عن بعض أهله، عن عبد الله بن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه يومئذٍ: ((إني قد عرفت أن رجالاً من بني هاشم وغيرهم قد أخرجوا كرهاً لا حاجة لهم بقتالنا، فمن لقي منكم أحداً من بني هاشم فلا يقتله ومن لقي أبا البختري بن هشام بن الحارث بن أسد فلا يقتله، ومن لقي العباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يقتله فإنه إنما خرج مستكرهاً)).

فقال أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة: أنقتل آباءنا وأبناءنا وإخواننا ونترك العباس، والله لئن لقيته لأحمنه بالسيف.

فبلغت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لعمر: ((يا أبا حفص)).

قال عمر: والله إنه لأول يوم كناني فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم بأبي حفص، ((أيضرب وجه عم رسول الله بالسيف)).

فقال عمر: يا رسول الله دعني فلأضرب عنقه بالسيف فوالله لقد نافق.

فقال أبو حذيفة: ما أنا بآمن من تلك الكلمة التي قلت يومئذٍ، ولا أزال منها خائفاً إلا أن تكفرها عني الشهادة فقتل يوم اليمامة شهيداً رضي الله عنه.

0 التعليقات:

إرسال تعليق